الإهداء

الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , وبعد :
فهذا موقع مفيد جامع , ومكتبة شاملة لتراث شيخ الإسلام , وعلم الأعلام , العالم العامل تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية النميري الحراني , وهو ممن جدد الله به الدين , وأحيي به سنة سيد المرسلين , وأظهر به مذهب السلف الصالحين في العقيدة والعلم والعمل , فرضي الله عنه ورحمه, وجعل الجنة داره ومثواه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, و جزاه عن الإسلام والمسلمين خير ما جزي العلماء العاملون

وقد رتبت المكتبة - بكتبها ومخطوطاتها ونصوصها - على حروف المعجم لتسهيل الوصول ونيل المأمول لطالبي ومحبي كتب الشيخ والراغبين فيها , والمهتمين بها قراءة وتدريسا , وتعلما تعليما , واعتمدت بشكل كبير على الكتاب المفيد النافع : ثبت بمخطوطات شيخ الإسلام ابن تيمية إعداد الشيخ علي بن عبد العزيز بن علي الشبل جزاه الله خيرا

ويتضمن الموقع أيضا كتبا ودراسات وأبحاثا حول سيرة شيخ الإسلام وتاريخه ومناهجه ودعوته إلى الله تعالى والرد على المخالفين وغير ذلك
فنرجو من الله سبحانه وتعالى أن ينفع بهذا الموقع , ويجعله نورا يستضيء به الحائرون والضالون , ليهتدوا به إلى طريق السلف الصالح من الصحابة و التابعين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين , وكذا يجعله شجى في حلوق المبتدعة والضالين والزائغين , فاللهم انفع به طلبة العلم وعبادك المومنين والمسلمين , واحفظه من شر الحاسدين والحاقدين

كتبه أبو يعلى البيضاوي غفر الله له ولوالديه / 17 رمضان 1430

قيل في وصفه رحمه الله : شيخ الإسلام الإمام العالم الرباني والحبر البحر إمام الأئمة بركة الأمة علامة العلماء وارث الأنبياء آخر المجتهدين أوحد علماء الدين شيخ الإسلام حجة الأعلام قدوة الأنام برهان المتعلمين قامع المبتدعين سيف المناظرين بحر العلوم كنز المستفيدين ترجمان القرآن أعجوبة الزمان فريد العصر والأوان تقي الدين إمام المسلمين حجة الله على العالمين اللاحق بالصالحين والمشبه بالماضين مفتي الفرق ناصر الحق علامة الهدى عمدة الحفاظ فارس المعاني والألفاظ ركن الشريعة ذو الفنون البديعة أبو العباس ابن تيمية رحمه الله ورضي عنه


2009-08-26

إبطال وحدة الوجود والرد على القائلين بها (* ط )

إبطال وحدة الوجود والرد على القائلين بها

بسم الله الرحمن الرحيم , سئل شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية رضي الله تعالى عنه عن كراس وجد بخط بعض الثقات قد ذكر فيها كلام جماعة من الناس فمما فيه:

قال بعض السلف: إن الله تعالى لطف ذاته فسماها حقا، وكثفها فسماها خلقا، قال الشيخ نجم الدين بن إسرائيل: إن الله ظهر في الأشياء حقيقة واحتجب بها مجازا، فمن كان من أهل الحق والجمع شهدها مظاهر ومجالي، ومن كان من أهل المجاز والفرق شهدها ستورا وحجبا, قال: وقال في قصيدة له:

لقد حق لي رفض الوجود وأهله... وقد علقت كفاي جمعا بموجدي

ثم بعد مدة غير البيت بقوله:

لقد حق لي عشق الوجود وأهله *

فسألته عن ذلك فقال: مقام البداية أن يرى الأكوان حجبا فيرفضها، ثم يراها مظاهر ومجالي فيحق له العشق لها، كما قال بعضهم:

أقبل أرضا سار فيها جمالها... فكيف بدار دار فيها جمالها

قال: وقال ابن عربي عقيب إنشاد بيتي أبى نواس:

رق الزجاج وراقت الخمر... فتشاكلا فتشابه الأمر

فكأنما خمر ولا قدح... وكأنما قدح ولا خمر

لبس صورة العالم فظاهره خلقه وباطنه حقه. وقال بعض السلف: عين ما ترى ذات لا ترى، وذات لا ترى عين لا ترى، الله فقط والكثرة وهم. قال الشيخ قطب الدين ابن سبعين: رب مالك، وعبد هالك، وأنتم ذلك، الله فقط والكثرة وهم.

للشيخ محي الدين بن عربي:

يا صورة أنس سرها مضائي... ما خلقت للأمر ترى لولائي

شئناك فأنشأناك خلقا بشرا... تشهدنا في أكمل الأشياء

وطلب بعض أولاد المشايخ للحر ما يرى من والده الحج فقال له الشيخ: طف يا بني ببيت ما فارقه الله طرفة عين.

وقال: قيل عن رابعة إنها حجت فقالت: هذا الصنم المعبود في الأرض وإنه ما ولجه الله ولا خلا منه. وفيه للحلاج:

سبحان من أظهر ناسوته... سر سناء لاهوته الثاقب

ثم بدا مستترا ظاهرا... في صورة الآكل والشارب

قال: وله:

عقد الخلائق في الإله عقائدا... وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه

وله أيضا:

بيني وبينك إني تزاحمني... فارفع بحقك إنيي من البين

قال: وقال الشيخ شهاب الدين السهروردي الحلبي المقتول: بهذه البقية التي طلب الحلاج رفعها تصرف الأغيار في دمه. وكذلك قال السلف: الحلاج نصف رجل وذلك أنه لم ترفع له الإنية بالمعنى فرفعت له صورة. قالوا لمحيي الدين بن العربي:

والله ما هي إلا حيرة ظهرت... وبي حلفت وإن المقسم الله

وقال فيه: المنقول عن عيسى عليه السلام أنه قال: إن الله تبارك وتعالى اشتاق أن يرى ذاته المقدسة فخلق من نوره آدم عليه السلام وجعله كالمرآة ينظر إلى ذاته المقدسة فيها، وإني أنا ذلك النور وآدم المرآة.

قال ابن الفارض في قصيدته "نظم السلوك":

وشاهد إذا استجليت نفسك من ترى... بغير مراء في المرآة الصقيلة

أغيرك فيها لاح أم أنت ناظر... إليك بها عند انعكاس الأشعة

قال: وقال ابن إسرائيل: الأمر أمران: أمر بواسطة وأمر بغير واسطة، فالأمر الذي بالوسائط قبله من شاء الله ورده من شاء الله تعالى، والأمر بغير واسطة لا يمكن خلافه، وهو قوله تعالى: " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " فقال له فقير: إن الله تعالى قال لآدم بلا واسطة لا تقرب الشجرة فقرب وأكل، فقال: صدقت وذلك أن آدم إنسان كامل. وكذلك قال شيخنا علي الحريري: آدم صفي الله تعالى كان توحيده ظاهرا وباطنا فقال فكان قوله تعالى: " لا تأكل " ظاهرا، وكان أمره " كل " باطنا، فأكل، فكذلك قوله تعالى. وإبليس كان توحيده ظاهرا، فأمر بالسجود لآدم فرآه غيرا فلم يسجد، فغير الله عليه وقال: " اخرج منها " الآية.

قال: وقال شخص لسيدي حسن: يا سيدي إذا كان الله يقول لنبيه: " ليس لك من الأمر شيء " أيش نكون نحن؟ فقال: سيدي: ليس الأمر كما تظن، قوله: " ليس لك من الأمر شيء " أيش غير الإثبات للنبي صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى: " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى "، " إن الذين بايعوك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ".

وفيه لأوحد الدين الكرماني:

ما غبت عن القلب ولا عن عيني... ما بينكم وبيننا من بين غيره:

لا تحسب بالصلاة والصوم تنال... قربا ودنوا من جمال وجلال

فارق ظلم الطبع تكن متحدا... بالله وإلا كل دعواك محال

غيره للحلاج:

إذا بلغ الصب الكمال من الهوى... وغاب عن المذكور في سطوة الذكر

يشاهد حقا حين يشهده الهوى... بأن صلاة العارفين من الكفر

للشيخ نجم الدين بن إسرئيل:

الكون يناديك أما تسمعني... من ألف أشتاتي ومن فرقني

انظر لتراني منظرا معتبرا... ما في سوى وجود من أوجدني

وله:

ذرات وجود هي للحق شهود... أن ليس لموجود سوى الخلق وجود

والكون وإن تكثرت عدته... منه إلى علاه يبدو ويعود

وله:

برئت إليك من قولي وفعلي... ومن ذاتي براءة مستقيل

وما أنا في طراز الكون شيء... لأني مثل ظل مستحيل

للعفيف التلمساني:

أحن إليه وهو قلبي وهل يرى... سواي أخو وجد يحن لقلبه

ويحجب طرفي عنه إذ هو ناظري... وما بعده إلا لإفراط قربه

قال بعض السلف: التوحيد لا لسان له والألسنة كلها لسانه.
وفيه: لا يعرف التوحيد إلا الواحد، ولا تصح العبارة عن التوحيد، وذلك أنه لا يعبر عنه إلا بغير، ومن أثبت غيرا فلا توحيد له.
وفيه: سمعت من الشيخ محمد بن بشر النواوي أنه ورد سيدنا الشيخ علي الحريري إلى جامع نوى قال الشيخ محمد: فوجئت فقبلت الأرض بين يديه وجلست فقال: يا بني وقفت مدة مع المحبة فوجدتها غير المقصود لأن المحبة لا تكون إلا من غير لغير وغير ما ثم، ثم وقفت مدة مع التوحيد فوجدته كذلك لأن التوحيد لا يكون إلا من عبد لرب، لو أنصف الناس ما رأوا عبدا ولا معبودا.
وفيه: سمعت من الشيخ نجم الدين بن إسرائيل مما أسر إلي أنه سمع من شيخنا الشيخ علي الحريري في العام الذي توفي فيه قال: يا نجم رأيت لهاتي الفوقانية فوق السموات وحنكي تحت الأرض، ونطق لساني بلفظة لو سمعت مني ما وصل إلى الأرض من دمي قطرة، فلما كان بعد ذلك بمدة قال شخص في حضرة سيدي الشيخ حسن بن الحريري: يا سيدي حسن! ما خلق الله أقل عقلا ممن ادعى أنه إله مثل فرعون ونمرود وأمثالهما، فقلت أنا هذه المقالة ما يقولها إلا أجهل خلق الله أو أعرف خلق الله. فقال: صدقت. وذلك أنه سمعت من جدك يقول رأيت كذا وكذا. فذكر ما روى نجم الدين عن الشيخ.
وفيه: قال بعض السلف: من كان عين الحجاب على نفسه فلا حاجب ولا محجوب.
والمطلوب من السادة العلماء: أن يبينوا لنا هذه الأقوال وهل هي حق أو باطل؟ وما يعرف به معناها وما يبين أنه حق أو باطل وهل الواجب إنكارها؟ أو إقرارها؟ أو التسليم لمن قالها؟ وهل لها وجه سائغ؟ وما حكم من اعتقد معناها. إما مع المعرفة بحقيقتها، وإما مع التأويل المجمل لمن قالها والمتكلمون أرادوا لها معنى صحيحا يوافق العقل والنقل ويمكن تأويل ما يشكل منها وحملها على ذلك المعني؟ وهل الواجب بيان معناها وكشف مغزاها، إذا كان هناك ناس يؤمنون بها، ولا يعرفون حقيقتها؟ أم ينبغي السكوت عن ذلك وترك الناس يعظمونها ويؤمنون بها مع عدم العلم بمعناها؟

[الجواب]

فأجاب شيخ الإسلام أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه:
الحمد لله رب العالمين، هذه الأقوال المذكورة تشتمل على أصلين باطلين مخالفين لدين المسلمين واليهود والنصارى مخالفتهما للمعقول والمنقول, أحدهما: الحلول والاتحاد وما يقارب ذلك كالقول بوحدة الوجود كالذين يقولون إن الوجود واحد فالوجود الواجب للخالق هو الوجود الممكن للمخلوق، كما يقول ذلك أهل الوحدة كابن عربي وصاحبه القونوي وابن سبعين وابن الفارض صاحب القصيدة التائية "نظم السلوك" وعامر البوصيري السيواسي الذي له قصيدة تناظر قصيدة ابن الفارض والتلمساني الذي شرح مواقف النغري، وله شرح الأسماء الحسنى على طريقة هؤلاء وسعيد الفرغاني الذي شرح قصيدة ابن الفارض والششتري صاحب "الأرحال" الذي هو تلميذ ابن سبعين وعبد الله البلباني وابن أبي منصور المصري صاحب: فك الأزرار عن أعناق الأسرار، وأمثالهم


طبعات الكتاب :
طبعت ضمن مجموعة الرسائل والمسائل في مطبعة المنار للشيخ محمد رشيد رضا (المجلد 1 صفحة 61 الى 120), وطبعة دار الكتب العلمية بيروت (المجلد1 صفحة 75 الى 132)

مواد للتحميل :


ليست هناك تعليقات:



قائمة مدوناتي